عزيزي عبدالعزيز، كم أشتاق لرؤياك؟ وكم يحرّك صوتك الرخيم أوتار قلبي، كلما اشتقت للكويت، أحمل عشقي وأجيء لأجلس في فيء “سدرة العشاق” الوارفة!
عزيزي عبدالعزيز، أعرف طيب قلبك، وكأني أنظر اللحظة في عينيك، كما كنتُ أفعل، في رابطة الأدباء حين نلتقي، وأختلس النظر إليك لأتشرب بحة حسّك لحظة تتكلم، وأحملها معي لأضعها في مقارنة مع عذب صوتك وأنت تغني بخجلك الحيي “لي خليل حسين”!
عبدالعزيز، هي منطقة “القبلة” التي احتضنت خطوك الأول، حين جئت إلى الدنيا عام 1939، وحين بدأت تتنفس هواها، وتتشرب قدماك الحافيتان عطر ترابها، ويسكن روحك رمل الساحل، حين تقف ناظراً إلى البحر، مستذكراً كل الأهوال التي عاشها الكويتيون في غبة وظلمة بحار الدنيا، لحظتها يصعد بك اللحنُ وتسكرُ وأنت تردد “عادت بنا الأيام”!
عزيزي عبدالعزيز، أعلم أن “علي”، أو ربما “عبير” ستقرأ لك كلماتي هذه، وستبسم لحظتها، فليست المرة الأول التي أكتب لك وعنك، ولأقل لك كأني أبصرك تبتسم، وصوتك يردد “حبيبي طال غيابك”!
يا عزيزي، يا عزير، كلانا أنت وأنا مشينا ونمشي الدرب نفسه، هو الدرب الذي جعلك تتوجس خيفة من أن تخبر عائلتك بعشق روحك للغناء، فينبري ذلك الفنان الأجمل “حمد الرجيب”، لحل العقبة التي تقف بوجه خطوك الأول صوب الموسيقى، ويقترح عليك: “لن نعلن أنك عبدالعزيز المفرج، ولنتفق، ستكون شادي الخليج”، فأي فكرة تراها دارت بخلج الرجيب لحظة أطلق عليك شادي، ولحظة ربط شدوك بالخليج، حتى أن والدك، يرحمه الله، سمع صوتك ينطلق من الإذاعة فالتفت إليك قائلاً: “حلو صوت المغني!”، فهل تراه يرحمه الله أراد أن يوصل إليك رأيه وحياً وليس تصريحاً، كي يقول لك: أنا أدري ولا أدري، وكأنه يمسد على خوف روحك، ويطلقك عالياً، وأنت تبتسم قائلاً “كفي الملام وعلليني”!
عزيزي، أبا علي، أعلم أنك على فراش مرضك، لكن دعني أخبرك بأن صوتك ما زال يضخّ العافية في قلوب كل من أراد أن يتنشق الكويت عبيراً، وكل من عطش لوطنه فقدمتَ له كأساً مترعة بالحب والحنين، وأنت تقول له “حالي حال”!
عزيزي عبدالعزيز، ما تعودتُ أن أناديك بشادي، ولا أظن أحداً قد ناداك بها، فشادي الخليج الشاب الخجول الذي صوّر أغانيه لتلفزيون الأبيض والأسود، ووقف خلف الميكرفون يذوب خجلاً وخوفاً من الغناء والموسيقى، هو نفسه ذاك الموسيقار المهيب الذي قاد فرقاً موسيقية ومرددين وراقصين، ليكتب تاريخ وتراث وطنه غناء وموسيقى. فلقد كان الشاعر عبدالله العتيبي، يرحمه الله، يكتب شعراً بنبض قلبه، وتجلس مع صديق دربك الملحن غنام الديكان لتتحول كلمات الشعر إلى ألحان وغناء وموسيقى، وما تلبث أن تشكل تاريخ ووجه وذاكرة الوطن، صارخة بالدنيا: “بلادنا الكويت”!
بوعلي، أنت مؤمن بالله، وأنت خير من يعلم أننا نمشي دروب حياتنا في طريقنا إلى الفناء. لكن، شيئاً ما في روحك وروحي، أدرك باكراً أن بقاء الفن يمتلك عمراً أطول بكثير من عمر وبقاء صاحبه، وأن لحناً ما سيبقى ما بقيت أرضه، وأن كلمة ما ستستعصي على المحو، ولسان حالها يقول “عزيزة”!
صديقي العزيز، أكتب إليك كلماتي لا لشيء إلا لأقول لك بأنني ما زلت عاشقاً لصوتك، وما زال أهل الكويت يهتزون طرباً لنغمته، وأذكّرك بأن طلتك الأخيرة على خشبة “مجمع الشيخ جابر الأحمد الثقافي”، وحدها طلتك وتلويحة يديك، كانت كافية لتفجر الدمع في المآقي، استقبلتك الدموع كما هو التصفيق، فهل تعلم يا صديقي لماذا سبق الدمع التصفيق؟ حصل ذلك لأن أهل الكويت وأحبابك من كل مكان، كانوا مشتاقين لرؤيتك، وهزّ قلوبهم حضورك البهي، فبلل دمع الفرح تلك اللحظة.
عزيزي بوعلي، تأملتُ كثيراً السر وراء تلك النعمة المدوِّخة في غنائك، وسرِّ قدرتها على إحضار الكويت الوطن الأحن والأجمل، شيء أشبه برائحة حضن الأم، شيء من فرجان “جبلة وشرق”، شيء من البخور ودهن العود والمسك والعنبر وماء الورد، وربما كل هذا مجتمعاً، وإذا كان كذلك، فهذا أنت!
عزيزي عبدالعزيز، لك مني شوقي إليك، ولي منك موسيقى وغناء يعطران خزانة روحي!
دم بخير إن شاء الله.
الجريدة