ينطبق هذا على كتاب الصحفي والرحالة التركي يوسف أكشورا: «رسائل سوريا وفلسطين»، الذي وضع مادته في الشهور الممتدة من إبريل/نيسان إلى نوفمبر/ تشرين الثاني من عام 1913، عشيّة الحرب العالمية الأولى، والذي سعدت، أمس الأول، بالمشاركة في مناقشته، رفقة الزميل د. عمر عبدالعزيز، في أمسية ثقافية نظمتها الدار الناشرة له، وهي «روايات» – إحدى شركات مجموعة «كلمات» بالشارقة- وأقيمت الأمسية بفندق البيت في وسط الشارقة، وأدارتها الأديبة أمل إسماعيل.
الكاتب اختار مفردة «رسائل» في عنوان الكتاب، وهو عنوان يوحي للقارئ أول وهلة، بأن ما يحويه الكتاب هو مجموعة رسائل، لكنه في الحقيقة ليس كذلك تماماً، ولعل ما حدا بالكاتب إلى اختيار هذه المفردة بالذات، كون الكتاب عبارة عن تقارير مفصلة نشرها الكاتب في أعداد مجلة اسمها «وقت»، كانت تصدر حينها، فنظر إليها على أنها رسائل صحفية، خاصة أنه في الأصل كاتب في الصحافة، لكننا، كقرّاء، سنجد أنفسنا إزاء عمل فيه الكثير من الأدب: بلاغة العبارة، وعذوبة السرد، وكمّ التفاصيل، والروح الساخرة أحياناً، وأكثر من ذلك يصحّ وضعه، وبجدارة، في خانة أدب الرحلات، فالكاتب يبدو فيه رحالة متمكناً، يملك شغفاً بالتفاصيل وعيناً لاقطة لها، وعدّة من الثقافة والمعرفة والخبرة، تمكنه ليس فقط من رؤية ما يرى، وإنما أيضاً وضعه في سياق تحليلي ومقارن عند اللزوم.
وهكذا نجد أنفسنا معه وهو يسير في شوارع بيروت وحيفا ويافا والقدس، ويزور ما في هذه المدن من مدارس ومساجد وكليّات ومكتبات، بل ونرافقه وهو في الباخرة التي أقلته من بيروت إلى فلسطين، واضعاً إيانا في تفاصيل ما حوله.
لن يكون تعسفاً أيضاً لو وضعنا الكتاب، في بعض أوجهه، في خانة اليوميات، وليس من سبب يحملنا على أن نرى تعارضاً بين أدب الرحلات واليوميات، فما أكثر ما يتوسل الرحالة، وهم يصفون ما يرون في رحلاتهم، تدوين يومياتهم، وهم يتنقلون من مكان إلى آخر في بلد بعينه، أو من بلد إلى بلد آخر، لتسجيل انطباعاتهم وتدوين مشاهداتهم.
رحلة إلى بلاد الشام