بدأت فكرة الاتحاد ترى النور عندما عقد المغفور له، بإذن الله، الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، طيب الله ثراه، اجتماعات في الخيمة الشمالية في عرقوب السديرة من أجل الاتحاد الثنائي بين إمارتي دبي وأبوظبي في فبراير 1968، حيث كان الشيخ راشد رجلاً يعمل بصمت لرص الصفوف والعمل على تحسين العلاقات للنهوض بالمنطقة بأسرها.
وقد تلاقت وجهة نظر الشيخ راشد بوجهة نظر المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، والرجل الذي تنبأ له الجميع بأنه سوف يكون قائداً لمرحلة الاتحاد. وقد أسفر تلاقي وجهات النظر بين القائدين عن ذلك اللقاء التاريخي والذي نتج عنه قيام اتحاد الإمارات. عرف الشيخ راشد بأنه قائد مخطط ومنفذ لقيام الاتحاد.
وقد واكبه في تفكيره ذلك مجموعة مهمة من القادة التاريخيين على رأسهم الشيخ زايد بن سلطان والذي ارتبطت فكرة الاتحاد باسميهما. وبما أن الإمارات كانت تملك تاريخاً واحداً وخلفية مشتركة فقد كان هيكلها الاجتماعي وجغرافيتها وملامحها السياسية ارتبطت معاً لتشكل القاسم المشترك الأكبر لقيام الاتحاد. فقد عرفت هذه المنطقة أول اجتماع ضم حكام الإمارات في العام 1905 عندما دعا الشيخ زايد الأول (1855 ـ 1909) للاجتماع لحل النزاعات المعلقة على الحدود. فكان ذلك الاجتماع هو الخلفية التي هيأت لقيام اجتماعات لاحقة. أما المبادرة من أجل الوصول إلى وحدة فقد كانت في العام 1952 عندما تم تشكيل مجلس الإمارات المتصالحة.
واستطاع هذا المجلس أن يهيئ الفرصة والأرضية أمام حكام الإمارات لكي يضفوا الصفة الدستورية على محادثاتهم وبدء التعاون المثمر بين الإمارات السبع، كما ساعد على وضع حجر الأساس لقيام دولة الإمارات لاحقاً. وأدى الإعلان البريطاني في يناير 1968 عن عزم بريطانيا الانسحاب من المنطقة بنهاية العام 1971 إلى تسريع مباحثات الوحدة وتضافر الجهود من أجل قيام اتحاد شامل يضمها ويلم شملها. ويمكن اعتبار اتفاقية السميح، والتي وقعها زايد وراشد، على أنها النواة الأولى وتعبير عن العزم على إنشاء اتحاد أكبر.
ومما يميز هذه الاتفاقية أنها تجنبت أي نوع من التوحيد المتسرع للسلطات الإدارية وقد نظر إليها على أنها الأساس الذي يجب أن تبنى عليه دولة الاتحاد أكثر من كونها دستوراً مفصلاً للاتحاد. ومما لا شك فيه أن الاختلاف في وجهات النظر وفي طرق تناول موضوع الاتحاد أدت إلى نشوء صعوبات لتشكيل اتحاد أوسع بين إمارات الخليج العربي التسع والتي أدت في النهاية إلى إعلان كل من قطر والبحرين استقلالهما.
امتاز الشيخ راشد بقدرات إدارية وإنسانية فائقة. فقد كان يمتلك قدرة فائقة على التفاوض وفهم الأمور المعقدة وقد كانت تلك الصفات سبيلاً لإنجاح مساعي الاتحاد. وقد نجح الشيخ راشد في الإدارة السياسية نجاحاً كبيراً، وكان لجهوده الأثر الكبير ليس فقط في نجاح اتحاد الإمارات، ولكن خليجياً، حيث أسهمت جهوده في دفع قادة الخليج لتأسيس مجلس التعاون الخليجي بعد ذلك بعقد من الزمان. فقد قام راشد بدور مهم في تقريب وجهات النظر، الأمر الذي أدى في النهاية إلى إعلان قيام المجلس.
كان الشيخ راشد واحداً من الشخصيات العربية الرائدة على الساحة لكونه عارفاً بأهمية الاتحاد لشعوب المنطقة العربية. وقد اختمرت الفكرة في ذهنه منذ الخمسينيات من القرن العشرين، وكان لقاؤه بالزعيم جمال عبد الناصر حدثاً كبيراً في تاريخ العلاقات العربية – العربية. فقد كان راشد واحداً من الزعماء العرب القلائل الذين دعموا الزعيم المصري في التحرر الوطني والنهوض بالمجتمع والوحدة العربية. فقد كان الشيخ راشد من القادة المهتمين بالتنمية الحديثة وبتوطيد أواصر الصداقة مع الجوار العربي والإسلامي بخطوات اتسمت بالأخوة الصادقة والعزيمة الأكيدة. إن ذكرى راشد سوف تبقى إلى الأبد في ذاكرة كل إماراتي، ليس فقط بوصفه زعيماً من زعماء الأمة، بل بوصفه «المحرك» لقيام أنجح تجربة وحدوية عربية.
جريدة البيان