في عام 1987، التقيت بالرَّاوية الأهم في مسيرتي العملية وهو الوالد «راشد الشوق»، لقد كان موجهاً مخلصاً، بل أستطيع أن أقول بأنه كان معلماً ـ لي على الأقل ـ واسمه الكامل «راشد عبيد راشد الشوق»، ولد في الشارقة عام 1930 وتوفي فيها العام الجاري 2020.
كانت الصحف والمجلات تكثر من لقاءاته والتحقيقات المصورة حول نشاطاته، فمن أجل لقاء صحفي عابر كان ينظِّم ما يشبه المهرجان في بيته، ضيافة وورشاً ومعارض، فقط ليقنع الصحفي بما يقول، فيدلل على كل شيء بإثباته بالتجربة وبالتطبيق العملي.
الشاهد أنني بفقده فقدت أباً ومرشداً مهماً ليس في مجال الروايات الشفهية، بل في أمور الحياة الماضية والعادات والتقاليد، فعلاقتي براشد الشوق لم تكن علاقة عادية، بل كانت علاقة أبوّة وإرشاد، عرّفني على عدد من الرواة، وكان يطلب من بعض الرواة والحرفيين أن يقدموا لي تجربة عملية، ليجعلني أعيش التجربة بممارسة ومشاهدة حقيقية، وليس رواية مجرّدة.
كنت أرتحل معه من قرية إلى قرية ومن مدينة إلى مدينة في الإمارات العربية المتحدة، فقط ليبحث لي عن أجوبة لأسئلتي الكثيرة عن التراث الإماراتي، لم يكن ليمل أو يضجر، بل بالعكس كان أكثر حرصاً مني على ذلك، بل كنت آخذه معي في بعض المحاضرات ليقدم لهم عمليّاً ما كنت أتحدث عنه، فقد كان سيب ومنشد حداء وسجع، ثم أصبح مجدمياً لفترة محدودة، ثم عمل في المحطة عند الإنجليز وكان يتقن إضافة للغته العربية، الإنجليزية والعجمية والبلوشية.
زاره صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، في مرضه الأخير، ذلك المرض الذي أنهك جسده وأفقده بصره وأعاق حركته، زاره في المستشفى لمعرفته به ولكثرة ما كان الناس والإعلام يتحدثون عنه، لكن راشد كان يعلم أن وفاته اقتربت، فكان جل حديثه للشيخ هو الوداع والتوصية على تراث الشارقة، فقال له صاحب السمو: «تراثنا بخير بوجودك يا راشد فأنت دفتر الشارقة»، لكن دفتر الشارقة الراشد لم تطلع عليه شمس صباح اليوم التالي.. ودَّعنا وحكايته لم تكتمل بعد.