سنحار في تحديد ما هو الذكاء، فمهما تعددت الاجتهادات حول تحديد جوهره ومظاهره، فسيظل هناك شيء فيه عصي على الإدراك.
لعل هذا هو السبب الذي حمل أحد العلماء على القول بأن «الذكاء هو ما لا أعرفه، وبه يعبر الإنسان عن تميزه بالمقارنة مع الكائنات التي تحيط به». والكائنات المقصودة ليست فقط الحيوانات والطيور، وإنما أيضاً الحواسيب الذكية التي اخترعها دماغ الإنسان، فمهما بلغ ذكاؤها فلن تتفوق على الذكاء الإنساني، رغم التحذيرات المتزايدة من أن يفقد الإنسان، مخترع هذه الحواسيب، السيطرة على ما اخترعه، وتصبح هي التي توجهه لا العكس.
سعى فلاسفة وعلماء نفس لتحديد هذا «الشيء الذي لا نعرفه»، فرأوا، على ما يقول واضع كتاب «مديح الاختلاف» ألبير جاكار، أن الذكاء هو مجموعة كفاءات، قدرات، شكل للطاقة لا نستطيع، ولن نستطيع أبداً، معرفة طبيعتها، لكننا نلمس بعض تجلياتها، وتبدو القدرة على «تصوّر سلوك ملائم في مواجهة وضع جديد» وجهاً مهماً للذكاء. والاستنتاج المهم الذي يراه هؤلاء العلماء، هو أن الذكاء «مجموعة سمات كمية أكثر منها كيفية». إنه مجموعة ملكات تطورت وقابلة للتطور.
ويلفت النظر في كتاب ألفه أنس شكشك عن: «الذكاء – أنواعه واختباراته» التقسيم الذي يقدمه عن أنواع الذكاء، فهناك الذكاء الاجتماعي والذكاء العاطفي والذكاء اللغوي والذكاء المنطقي الرياضي والذكاء الموسيقي والذكاء الجسمي الحركي والذكاء البصري والذكاء الطبيعي، وغيرها من أنواع الذكاء.
أما علم النفس فيفرق بين نوعين من الذكاء. يسمى الأول ذكاء دافئاً، والآخر ذكاءً بارداً. وفي مؤلف يبحث «سيكولوجيا الأعماق» نقرأ توصيفاً لهما: الذكاء الدافئ هو الذي يتألف من إحساسات وحدوس. «إنه أشبه بهوائي التلفاز، لذا يمكن وصفه بأنه هوائي الحياة الذي يلتقط ما في هذه الحياة، ويعيد بثه»؛ لذا فإنه حيوية الحياة ودفقها، أما الذكاء البارد فيتصف بالصلابة، إنه منطقي يتشكل من آراء قاطعة، محدودة.
وكما يمكن التفريق بين أفراد أذكياء وآخرين ليسوا كذلك، يمكن التفريق بين مجتمعات ذكية وأخرى غبية، ولا علاقة للأمر بالجينات، إنما بقدرة المجتمعات على استثمار ما تملكه من عقول ذكية، ما دام الذكاء مجموعة ملكات كمية قابلة للتطوير والاستثمار.
وإذا ما اعتبرنا أهم تجليات الذكاء، وهو «وضع سلوك ملائم في مواجهة وضع مستجد»، معياراً لاختبار ذكاء الأمم، فسنفرق بين «الأمم النابهة» و«الأمم الخاملة»، وفق تقسيم وضعه كاتب أندلسي قبل أكثر من خمسة قرون، وضع العرب في الخانة الأولى، يوم كانوا نابهين!.
جريدة الخليج