وهو يتخيّل كيف يكون عليه يوم من حياة الأديب الروسي الشهير ليو تولستوي، رسم لنا الكاتب ستيفان زفايج في كتابه الذي يحمل اسم الكاتب الروسي، مشهداً يبدأ من لحظة صحو الرجل السبعيني العجوز كما افترضها، حكماً من شهادات أصدقاء تولستوي وكذلك اعترافاته هو نفسه، حين «يبدأ النعاس يسيل رويداً رويداً» من أجفان الكاتب الشهير، قبل أن يهبط كي يتناول إفطاره حيث تنتظره زوجته وبناته ومساعده وربما بعض الأصدقاء.
حسب الوصف الممتع الذي أحسن نقله إلى العربية المترجم فؤاد أيوب ، علينا تخيّل المشهد لحظتها: «الشاي يغلي في السماور ومساعده يحمل إليه في صينية خاصة الكوم المتنوع للرسائل، والمجلات، والكتب الواردة إليه».
لا نعلم لماذا تخيّل ستيفان زفايج أن تولستوي كان لحظتها يفكر في صمت في التالي: «تملّق وإضجار وإقلاق راحة. يجب أن يكون المرء أكثر وحدة مع نفسه ومع الله، وألا يلعب بسرة الكون. يجب أن يبعد عنه كل ما يدفعه إلى الاضطراب والشرود والتكبر والغرور والانسياق وراء المجد الزائف وعدم الإخلاص. »
أوشك الكاتب أن يُدخل في نفوسنا انطباعاً عن تعالي تولستوي على محبيه، لولا أنه استدرك سريعاً بالقول «إن الفضول يتغلب على تولستوي فينبش بأصابعه سريعة اللمس هذه الكومة المضطربة من التوسلات والاتهامات وطلبات الصدقة واقتراحات الأعمال وإعلانات الزيارة».
رسائل من البعيد ومن القريب تحمل أسئلة واستفسارات، وتطلب نصائح وتوجيهات ورجاءات، من شبان يلتمسون منه الرأي في مشاكلهم، وشحاذين يطلبون العون في التغلب على معاناتهم. كل هؤلاء لم يجدوا من هو أفضل منه كي يتوجهوا نحوه لنجدتهم أو نصحهم وإرشادهم، أو ربما ليقولوا له: «شكراً لك لأنك موجود بيننا»، أو يعبروا عن ثنائهم على ما يكتب، هو الذي لم يكن يبحث عن هذا الثناء، لأنه كان يفعل ما يفعل من أعمال خير اتساقاً مع فطرته وسليقته المنحازة لكل ذلك. التي جعلت الناس ينظرون إليه باعتباره، حسب وصف الكاتب، «وجدان هذا العالم بأسره».
ستيفان زفايج لم يأت في كتابه الشائق فعلاً على نموذج آخر من الرسائل كانت تأتي إلى تولستوي من شخصيات من الوزن الثقيل من خارج روسيا، وردوده عليها، وهذا ما سنقف على بعضه غداً.
جريدة الخليج