حياة الكتابة – بقلم ميسون أبو بكر

ميسون ابو بكر

أتذكَّرُ المرة الأولى التي كتبت فيها نصّاً يقرأ، كانت بعد موت طائر الحب في منزلنا حزناً على رفيقه الذي سبقه بأيام.. كانت تلك الشرارة الأولى للكتابة وأنا ابنة العاشرة، وكنت وقتها تحت تأثير ديوان الشاعرة سعاد الصباح «إلى ولدي»، وفلسفة الموت لم تتضح معالمها بعد في مخيلتي بينما مشاعره متضخمة جداً بتأثير الفقد، وكانت الكتابة سبيلاً لأترجم عن طريقها مشاعري.

يكتب إدواردو غاليانو عن التحدي الأصعب طوال حياته حين طلب منه أصدقاؤه عمال المناجم أن يحدثهم عن البحر: «لم يكن لدي خيار سوى أن آخذهم إلى البحر، البحر البعيد جداً، وأن أجد الكلمات التي يمكن أن تبللهم حتى العظم».. يتضح من جملته تلك أن الكتابة كأشرعة تمخر عباب الحياة والأمل، وتسافر بالقارئ خارج حدود مكانه وزمانه.

وتقول إليف شافاق: «خلف تلك البوابة كان عالم أرض القصص الرائع، يمكن للماء أن يتحدث في أرض القصص، وللأنهار أن تغير مجراها إذا شعرت بالملل من التدفق في اتجاه واحد محدد.. كل شيء مهما بدا صغيراً لديه قصة تستحق أن تروى، فالكتب أنقذتني من الرتابة والغضب والجنون وتدمير الذات، علمتني الحب، ما جعلني أبادلها الحب».

أما إليزابيل الليندي، فقد سحلت رأيها عن الكُتّاب، قائلة: «إنهم لصوص طيبون يكتبون عن الواقع الذي يحولونه لشيء جديد تماماً، فالجزء الأجمل في الكتابة هو العثور على الكنوز المخبأة وإعطاء الأحداث البالية بريقاً».

في الكتابة حياة وإن تحول حبرها إلى حبر إلكتروني ومحتوى في فضاءات الإنترنت بدلاً من بطون الكتب، فالإنسان منذ وجوده على الأرض وهو يحاول أن يجد وسيلة تخاطب مع الآخر، وأن يبتكر لغة للتعبير عن أحاسيسه يقرأها آخرون يجدون في كلماته تعبيراً عن ذواتهم ومراحل من حياتهم، ولحظات تعبر بهم كمحطات خاطفة، تبدو كلماتهم زوارق تسافر في أنهار مشاعرهم، أو موانئ يستريح عليها الهاربون من وعثاء سفر، وطيراً يصفق بجناحيه لهبة ريح ولحفيف شجرة.

عندما أكتب إليك عزيزي القارئ تتلبّسُني أرواح كنت قرأت لأصحابها، وتحملني فضاءات سافرت إليها، وتأسرني لحظات أحب أن أشاركك بها.. أكتب عنك بقلمي، وأحب أن أتقاسم معك بوحي وكلماتي، فالكتابة هي الإرث الوحيد الذي يمكن أن يمتلكه كل القراء بلا مرافعات ولا محاكم ولا نزاعات.

صحيفة الرؤية