قلت للقلم: أراك لا توضح، ولا تفصح، ولا تشرح، ولا تصرّح في شأن كورونا. كلامك يدحض بعضه بعضاً، فهو مع نفسه يتعارض ويتناقض. أحياناً تركن إلى التفسير الغيبي، ولكنك تستدرك، لأن العقاب القدري لا يتطابق تماماً مع العدل الإلهي، فما ذنب ألوف الضحايا في بلدان لا هي رأسمالية متوحشة، ولا جيوشها غازية مدمرة. قال: خنقت أنفاسي بخطبتك، ما خطبك؟ جوابي عند أبي العلاء: «سألتموني فأعيتني إجابتكم.. من ادّعى أنه دارٍ، فقد كذباً»، لكن، بما أنك أسرفت في التنبيش، وما تعففت في التفتيش، فإنني سأصدمك بالصريح غير المريح. قلت: أسرع به، فلن يكون فيروسياً مروعاً.
قال: أخشى أن يُسجّل هذا الفيروس كأكبر مصلح في التاريخ المعاصر. قلت: ويحك، ما هذا الهراء؟ أخاف أن يُكلبشوك، «لا أحب القيود في معصميك». قال: كم من مؤتمر عالمي شارك فيه أكبر أقطاب الكوكب، بحثاً عن حلول لارتفاع درجة حرارة الأرض، لثاني أوكسيد الكربون، لتلوث الجو ومياه البحار والبحيرات والأنهار؟ جاء كورونا، الذي أرى الناس نجوم الظهر، فإذا السماء تصدّق أم كلثوم: «وقطفت النجوم بإيديا» عندما يأتي المساء. أوباما خاض معركة شرسة في سبيل التأمين الصحي للشعب الأمريكي، خابت مساعيه، لأن الرأسمالية المفترسة ترى الناس أدوات إنتاج لا أكثر، أتى الفيروس صادحاً: الميزانية الحربية 750 مليار دولار للانقضاض على الضعفاء، وترامب شخصياً أعلن إنفاق واشنطن سبعة تريليونات على الحروب في أفغانستان، العراق، ليبيا، سوريا، ونسيت البنية التحتية والصحة. هل تذكرون إعصار كاترينا في نيو أورليانز؟ بيوت المساكين التي نسفتها الأعاصير في عهد بوش الابن، لا يزال بناؤها يتعثر.
قلت: يا هذا، ذكرت المعري، ونسيت قوله: «لم يَقْدُر الله تهذيباً لعالمنا.. فلا ترومنّ للأقوام تهذيباً». قال: لا أحد يهذي بأن العالم سيغدو فردوساً، لكن القيم ستربح المزيد من المساحة، في القانون الدولي، الإحساس بالمسؤولية العامة، في التواصي بالحق والمرحمة بين الناس. ستتنبه الأنظمة إلى الأخطاء ومواطن الإهمال، وستقوى المحاسبة في القمة والقاعدة. سيصبح الناجون قدوة، وخطط خلاصهم في مواجهة الكارثة دروساً وعبراً. ستوضع حدود للفكوك المفترسة. قد تضاف إلى المناهج مادة عنوانها «التربية الإنسانية». من يتجرد من المبادئ سيظل حيواناً ناطقاً، دون الآدمي وبعيداً من الإنسان.
لزوم ما يلزم: النتيجة التأملية: قوى الكون لا تحتاج إلى تقريب الأرض من الشمس للتأديب، فيروس (مئة من المليار من المتر) يكفي ليلقن النظام العالمي الغاشم الدرس.
جريدة الخليج