شاعر عجن من الغيم أحرفاً فأمطرت رونقاً وأزهرت دهشة. رسم بالحرف لوحات مختلفة الألوان، قادرة على سبر أغوار الذات قبل الآخر والمحيط، وأشعل بعقله مصابيح كادت تطفأ لولا أن أزال عنها الغبار وأوقدها، وظلل بقلبه حدائق مزهرات من كل لون وعطر.
قاسم حداد الذي كلما ذُكرت البحرين ذُكِر معها، وكلما ذُكر الشعر ذُكر معه، وكلما ذُكر الإبداع والتواضع والهدوء ذُكر معها. يعمل بصمت بعيداً عن كل الأضواء وسلطة المؤسسات الرسمية، فأنتج الكثير وأصدر 50 كتاباً ليست كغيرها.
خلال خمسين عاماً من العطاء أصدر حداد خمسين كتاباً تنوعت بين النثر والشعر، فكان نثره شعراً مختلفاً، وكانت مقالته مزيجاً بين بديع الكلمة وجزالة اللفظ وقوة المعنى، وكان شعره قادراً على أن يشي باسمه فصار له خطه، وصارت له بصمته التي يعرفها كل من يقرأه منذ الوهلة الأولى، وهو ما لا يعني تكراره لنفسه؛ بل يعني أنه استطاع أن يرسخ له روحاً في الكتابة صارت تشبهه كثيراً.
قاسم حداد الشاعر البديع، والإنسان الذي لا يقابل الصفعة إلا بالشكر، والنكران إلا بالابتسامة. صاحب الكرامة والعزة، والمواقف الواضحة. هو المتواضع الذي يأسرك بحضوره، والأب الذي «ينحني ليحنو» والأستاذ الذي لا يعطي دروساً؛ بل يُعلّم من غير عصاً.
كان له مع التكريم هذا الأسبوع موعد في معهد العالم العربي، وهو تكريم مستحق ولو أنه متأخر جداً، فمثله كان جديراً بكل تكريم وجائزة، خصوصاً أنه الشاعر الذي لم يكل أو يمل، ومازال يُعطي حتى بعد أن كتب قبره الذي لم يكن كذلك.
جاء تكريم حداد في باريس ليكون استكمالاً لما كان من قبل من فوز وتكريم في مختلف المحافل العربية والدولية، حتى صار فخراً لكل بحريني وخليجي وعربي.
وحين يكون الشاعر إنساناً قبل كونه شاعراً، لابد أن يكون لكلمته ثقلها، ولصوته حضوره، ولتكريمه استحقاقه.
جريدة الاتحاد