تمساح هتلر – بقلم د. حسن مدن

حسن مدن

مات الزعيم النازي هتلر منتحراً، لم يشأ أن يقع أسيراً في أيدي الجنود السوفييت الذين دخلوا برلين، فحمل زوجته إيفا على ابتلاع كبسولة سامة، فيما أطلق هو رصاص مسدسه على نفسه. قيل إن جثته وجثث بعض كبار معاونيه وجدت متفحمة، لكن تمساح هتلر لم يمت. لقد عاش مديداً حتى وافته المنية في حديقة حيوان في العاصمة الروسية موسكو مؤخراً، عن 84 عاماً. لو كان التمساح ينطق، لروى العجب العجاب عن سيرته الحافلة، شاهداً على تبدلات ترينا كم هو العالم سائل، لا يعرف الثبات على حال.
وفاة التمساح أتت مناسبة لاستعادة ذاكرة، أو بالأحرى مجموعة ذاكرات. لم يولد «ساتورن»، وهذا هو اسمه، في ألمانيا. وإنما في براري المسيسيبي بالولايات المتحدة الأمريكية عام 1936. في وقت كان مثقفو ألمانيا ومفكروها وفلاسفتها يفرون من ألمانيا هتلر إلى الولايات المتحدة هرباً من بطشه، ويؤسسون هناك المدارس الفلسفية والفكرية من طراز «مدرسة فرانكفورت»، أتى «ساتورن» برلين في هجرة عكسية.
يحكى أن صيادين أمسكوا به هناك وصدّروه إلى حديقة حيوان برلين، واستناداً إلى رواية الكاتب الروسي الشهير بوريس أكونين الذي حملته معارضته لسياسات بوتين على الهجرة إلى فرنسا، فإنّ التمساح كان ضمن مجموعة الحيوانات المفضلة في قصور هتلر، وهو اعتقاد يؤكده ديمتري فازيلييف البيطري في حديقة حيوانات موسكو.
ليس البشر وحدهم من يهاجرون محمولين على الضرورات. الحيوانات أيضاً تهاجر أو تُهجّر. حكاية «ساتورن» العجوز العملاق خير مثال، حيث تقاذفته المصائر من قارة إلى أخرى، ومن بلدٍ إلى آخر. المدهش أن من عثر عليه في برلين، هم الجنود البريطانيون الذين دخلوها ضمن قوات الحلفاء، وليس الجنود الروس. لكنه لم يؤخذ إلى لندن. ثمة صفحة غامضة في سيرته، حول انتقاله على أيدي الجنود الروس إلى عاصمة بلادهم في العام 1946.
هناك حكايات فيها روح الأساطير عنه. يقال إنه وتحت أصوات انفجارات الصواريخ والقنابل التي انهالت على برلين في ذروة الحرب، فرّ «ساتورن» ليختبئ في مجاري المياه قبل أن يعثر عليه، لتفتح صفحات جديدة من حياته. يقال أيضاً إنه حين كانت الدبابات الروسية تقصف مبنى البرلمان في التسعينات الماضية بأمر من يلتسين، شوهدت الدموع تترقرق في عينيه، كأنه استعاد ذكريات الحرب المفزعة في برلين. ألم تسمعوا بدموع التماسيح!.
74 عاماً قضاها «ساتورن» في حديقة موسكو. من رأوه وهم أطفال ظلّوا يشاهدونه وهم يصطحبون أحفادهم للحديقة نفسها. كثيرون منهم ماتوا ولكنه ظلّ حياً، حتى أزفت لحظة رحيله. 

جريدة الخليج