أكد محمد بن عبد الرحمن بن دايل، الرئيس التنفيذي لصندوق التنمية الثقافية في السعودية، أن الصندوق الذي تمّ تأسيسه برأسمال يبلغ نصف مليار ريال (نحو 133.32 مليون دولار) سيعمل على دعم التنمية الثقافية، واستدامتها عبر تخصيص تمويل مستدام من القطاعين العام والخاص بآليات تمويل مثلى لدعم المشاريع الثقافية وضمان نجاحها.
واعتبر بن دايل في حوار مع «الشرق الأوسط»، أن «الصندوق هو دليل جاد على اهتمام الدولة بدعم القطاع الثقافي، لكنها أيضاً تسعى لأن يكون قطاعاً منتجاً ومساهماً في الاقتصاد دون اعتماد كلي على الدعم الحكومي»، وهنا نص الحوار…
> مع تأسيس الصندوق السعودي للتنمية الثقافية، ماذا يمكن أن يحقق في تنمية قطاع الثقافة السعودي مع ميزانية ضخمة تبلغ نصف مليار ريال؟
– يعمل الصندوق على دعم التنمية الثقافية والمجالات المتصلة بها، واستدامتها عبر تخصيص تمويل مستدام من القطاعين العام والخاص بآليات تمويل مثلى لدعم المشاريع الثقافية وضمان نجاحها؛ مجالات الدعم التي يقدمها الصندوق تتنوع بحسب حاجات القطاعات الثقافية التي تمت دراستها ضمن الاستراتيجية الوطنية للثقافة من التطوير والإنتاج حتى التوزيع والعوامل الممكنة.
> ما هي الموارد الإضافية لهذا الصندوق؟
– بالإضافة إلى رأس مال الصندوق الذي خصص له من الدولة، يحق للصندوق قبول الهبات والتبرعات والمنح والوصايا والأوقاف، ويسعى إلى تفعيل دور القطاع الخاص في تمويل مبادرات القطاع الثقافي، بالإضافة إلى إشراك المجتمع عبر آليات التمويل الجماعي.
> يستهدف الصندوق تحفيز الجهات العاملة في المجال الثقافي للمساهمة والاستثمار في القطاع، لكنكم تعلمون أن هذا القطاع نشأ ونما على الدعم الحكومي، هل يمكن فعلاً أن تصبح الثقافة جاذبة للاستثمار؟
– تأسيس الصندوق هو دليل جاد على اهتمام الدولة بدعم القطاع الثقافي، لكنها أيضاً تسعى لأن يكون قطاعاً منتجاً ومساهماً في الاقتصاد دون اعتماد كلي على الدعم الحكومي؛ سيكون للصندوق تدخلات مالية بآليات تمويل مدروسة تتناسب وحاجات القطاع الثقافي وتتفاوت بحسب طبيعة المشاريع المستفيدة، تتنوع الآليات ما بين قروض ميسرة، ضمانات بنكية، حزم تحفيز، واستثمارات مقابل حصص في بعض الشركات.
يعزز ذلك أن المملكة شهدت – بدعم موجه من الحكومة – حراكاً عالياً في السنوات القليلة الماضية في قطاعات لم تكن مفعلة بشكلٍ كافٍ في السابق (مثل قطاع السياحة، الترفيه، الرياضة والثقافة)؛ مما أثبت للجميع أن هناك طلباً متزايداً عليها من المواطن، وقوة استهلاكية عالية تعزز الثقة لدى المستثمر الذكي الذي يرى الفرص الواعدة في هذه القطاعات إذا نجح في تقديم مشاريع ومنتجات بجودة عالية تخدم المواطن وتحسن جودة الحياة.
> دعنا نفهم، هل سيقوم الصندوق بتقديم التمويل أو الإقراض، أم الاكتفاء بتقديم الاستشارات؟ هل من مهامه تقديم مشاريع استثمارية وتأسيس شراكات؟
– توجهنا في الصندوق تنموي بحت، ونسعى لتقديم الحلول التكاملية التي تضمن استمرارية ربحية القطاع ونجاحه؛ يقدم الصندوق خدماتٍ مالية كالقروض، والضمانات البنكية ويكملها بتقديم خدمات غير مالية أيضاً كالاستشارات الإدارية والقانونية وبعض البرامج التوعوية والتدريبية بهدف رفع مستوى المشاريع وتحسين ربحيتها وتعزيز فرص نجاحها واستفادتها من الخدمات المالية التي تقدم لها.
واستكمالاً لدوره في تقديم الخدمات المالية، يسعى الصندوق لتأسيس شراكات فعّالة مع القطاع الحكومي، الخاص والجهات غير الربحية لتساهم هذه الشراكات في تمويل المشاريع الثقافية وتقديم مشاريع استثمارية قد يستثمر فيها الصندوق استثماراً لا ينافس فيه القطاع الخاص ولكن يعزز الثقة في المشاريع الاستثمارية الكبرى.
> هل ثمة تصورات لمشاريع يمكن للصندوق البدء بها؟
– نعمل حالياً مع الهيئات الثقافية لحصر المشاريع الثقافية الجاهزة لتمويلها، ونتوقع أن تبدأ عمليات التمويل في القريب العاجل، وتتنوع المشاريع المحصورة ما بين إنتاج وتطوير المحتوى الثقافي، دعم تشغيل المرافق الثقافية، فرص التعليم والتدريب، النشر والأبحاث ودعم البني التحتية، كما سيقوم الصندوق بفتح الباب لعموم المستفيدين للتقدم بطلباتهم على برنامج تحفيز المشاريع الثقافية في شهر أغسطس (آب) المقبل.
– الاستثمار في الثقافة
> حين نتحدث عن الاستثمار في القطاع الثقافي، نتحدث عن القطاع الخاص، ونتحدث بالضرورة عن «الربحية»، هل يمكن أن يحقق الاستثمار الثقافي عائدات دون رفع القيود ومنحه الحرية اللازمة؟
– منذ تأسيس وزارة الثقافة في عام 1439هـ – 2018م وهي تسعى جاهدة لمنح الحرية الإبداعية للمثقفين والممارسين في القطاع الثقافي بما لا يتعارض مع توجهات وقيم الدولة؛ في ظل العرض الحالي، فرص ربحية القطاع عالية والمجتمع متعطش لخيارات ثقافية منوعة، والمستثمر الجيد يدرك ضخامة الفرص الموجودة حالياً ويعمل على الاستفادة منها، كما أن المنظومة الثقافية التي نعمل ضمنها بقيادة وزير الثقافة حريصة جداً على التجديد والابتكار، وتعمل بشكل مستمر لضمان نمو القطاع وتيسير أعماله ورفع أي قيود أو اشتراطات غير ضرورية أو معيقة.
> من يتحمل إنشاء البنية التحتية التي نفتقدها حتى الآن؛ نحن نفتقد دور المسارح وصالات العرض والمباني اللازمة، جنباً إلى جنب مع الطاقم المتفرغ للعمل الثقافي؟
– الاهتمام الذي توليه الحكومة للقطاع الثقافي غير مسبوق، وتأسيس الصندوق هو لتسريع التطور المرغوب في هذا الشأن؛ يعمل الصندوق من خلال برامجه التمويلية على تقديم الدعم للبنى التحتية الثقافية بالتكامل مع مبادرات برامج الرؤية التنفيذية والأجهزة الحكومية والشركات والمشاريع المملوكة للدولة ضمن خططها التطويرية، بالإضافة إلى سعي الصندوق لتفعيل دور القطاع الخاص وإسهامه في الاستثمار في هذه المشاريع؛ كما أوضحتم في سؤالكم، حاجتنا إلى البنى التحتية توازيها حاجتنا إلى الطاقم المؤهل والمتفرغ للعمل الثقافي الذي يبث الحياة في هذه البنى التحتية، سواء في إداراتها أو تزويدها بالمحتوى الذي يضمن استمراريتها؛ ولهذا نعمل في الصندوق على توفير برامج تمويلية تلبي كل هذه الحاجات وتعنى بتطوير العنصر البشري جنباً إلى جنب مع العنصر المادي.
> يُعد برنامج جودة الحياة، الذي أطلقه مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية السعودي أحد برامج تحقيق «رؤية المملكة 2030»، ومن بينها الأهداف بجعل المدن السعودية من بين أفضل المدن على مستوى العالم للعيش، ومن الوسائل إنشاء بنية تحتية للأنشطة الثقافية، ما هو دور الصندوق في هذا الجانب؟
– تأسيس صندوق التنمية الثقافي هو إحدى مبادرات برنامج جودة الحياة، حيث يعمل الصندوق تكاملياً مع باقي مبادرات البرنامج لتحقيق المستهدفات والمخرجات الثقافية للبرنامج مما يسهم في تحقيق أهداف البرنامج الرئيسية؛ هناك بنى تحتية كبرى تتبنى إنشاءها مبادرات شقيقة ومشاريع كبيرة في الدولة، وهناك بنى تحتية يساهم الصندوق في تمويلها ودعمها.
> تعلمون أن الطريق لتشجيع التبرعات والأوقاف لصالح التنمية الثقافية في حاجة إلى تعزيز التفاعل المجتمعي، وتحفيز الجانب القيمي للثقافة، هل لديكم خطة في هذا المجال؟
– منذ الدراسات الأولية لإنشاء الصندوق كان التمويل الجماعي بكل نماذجه، ومن ضمنها الهبات والمنح، أحد الخيارات التي نُعول أن تحدث حراكاً صحياً في القطاع الثقافي لسبب أساسي وهو ارتباط المخرج والفعل الثقافي بوجدان وهوية المواطن السعودي واهتمامه الشخصي بها؛ مما يعزز من فرصة مساهمته في تمويلها وازدهارها. ونعمل في الصندوق، ضمن المنظومة الثقافية، على مبادرات للتمويل الجماعي من شأنها تحفيز الجانب القيمي للثقافة وتحسين التفاعل المجتمعي معها، سترى هذه المبادرات النور قريباً بإذن الله، وإحدى هذه المبادرات تركز على تشجيع جانب المنح والهبات المجتمعية لصالح القطاع الثقافي.
> هل لديكم تصورات لعقد شراكات استراتيجية مع جهات في القطاع الخاص، ضمن مشاركتهم في المسؤولية الاجتماعية؟
– كما ذكرت سابقاً، توجه الصندوق منذ البداية قائم على تفعيل دور القطاع الخاص في دعم وتمويل القطاع الثقافي، وأحد قنوات التفعيل تكمن في إظهار الفرص الكامنة في القطاع الثقافي وتوجيه أنظار جهات القطاع الخاص لها كفرص جاذبة ذات تأثر عظيم على المجتمع وتستحق أن توجه لها جهودهم ومشاركتهم في المسؤولية الاجتماعية.
نعمل حالياً على تحديد هذه الفرص لعرضها على جهات القطاع الخاص، ومن منبركم نود أن ندعو جهات القطاع الخاص أيضاً بألا تنتظر دعوتنا وتبادر كبعض جهات القطاع الخاص الرائدة في خلق توجهها المميز في دعم القطاع الثقافي بمبادرات مختلفة وخلّاقة ضمن مسؤوليتها الاجتماعية، كما أننا نرحب بكل من يطرق باب الصندوق منهم باحثاً عن مشاريع ومبادرات ثقافية تستحق الدعم.
> ماذا يمكن أن يعمل الصندوق في دعم حركة الإبداع السعودي، من الكتابة والتأليف والنشر إلى صناعة الأفلام والمحتوى البصري؟
– مجالات الدعم التي يقدم من خلالها الصندوق برامجه التمويلية تركز على جميع الجوانب المذكورة، ويسعى إلى توفير الدعم المالي لمنشآت القطاع الخاص والجمعيات والمؤسسات الأهلية العاملة في المجالات الثقافية التي توفر الفرص من خلال مشاريعها للممارسين في القطاع الثقافي لتكثيف وتطوير ومشاركة إنتاجهم.
– محمد بن دايل… 20 عاماً في الاستثمار
> يمتلك محمد بن عبد الرحمن بن دايل، الذي تمّ تعيينه مؤخراً في منصب الرئيس التنفيذي لصندوق التنمية الثقافية في السعودية، خبرة مالية وإدارية وفي قطاع الاستثمار تزيد على 20 عاماً، شغل العديد من المناصب القيادية، كان آخرها المدير التنفيذي لعمليات الاستثمار في شركة رائدة للاستثمار. كما عمل في إدارة الخزينة في «أرامكو السعودية»، بالإضافة إلى عضويته في مجلس إدارة مصرف الإنماء. وهو حاصل على درجة الماجستير في إدارة الأعمال من الجامعة الأميركية بواشنطن ودرجة البكالوريوس في التمويل من جامعة جورج واشنطن، ولديه عدد من المؤهلات في إدارة الخزانة والاستثمار.
جريدة الشرق الأوسط