انطلقت في مؤسسة سلطان بن علي العويس الثقافية مساء يوم الأربعاء 9 أكتوبر 2019 فعاليات ملتقى (محمود درويش ـ أثر الفراشة لا يزول) بمشاركة نخبة من الكتاب والأدباء وبحضور سعادة د. سليمان موسى الجاسم نائب رئيس مجلس الأمناء وسعادة عبد الحميد أحمد الأمين العام لجائزة العويس الثقافية وسعادة الدكتور محمد عبد الله المطوع عضو مجلس الأمناء وسعادة ناصر حسين العبودي عضو مجلس الأمناء وكوكبة من أهل الفكر والثقافة وعشاق الشاعر الراحل محمود درويش.
بدأت فعاليات الملتقى بكلمة ترحيبية قدمها الدكتور سليمان موسى الجاسم نائب رئيس مجلس الأمناء جاء فيها:
“لقد آلت مؤسسة سلطان بن علي العويس على نفسها أن تحيي ذكرى لمبدعين خالدين في سماء الثقافة العربية، الذين أثروا الوجدان العربي بقيم خالدة ستعيش طويلاً في نفوس الأجيال الجديدة.
إن محمود درويش واحداً من هؤلاء الكبار الذين نفخر أنهم حملوا جائزة سلطان بن علي العويس الثقافية، مثلما فخِرنا بأقرانه المبدعين الكبار أمثال محمد مهدي الجواهري ونزار قباني ومحمد الماغوط وعبد الله البردوني وغيرهم الذين احتفينا بذكراهم خلال السنوات الماضية.”
وأضاف قائلاً:
“من خلال هذه النوعية من الندوات الفكرية نريد ترسيخ قيم الاعتزاز بمبدعينا والتأكيد على قوة حضورهم في ثقافتنا، قيمٌ أصيلة في حياتنا ووثيقة الصلة بمستقبلنا، نريدُ توجيه رسالة فحواها التقدير والفخر بما يمثله المبدع في مجتمعه، وفي تاريخه.
ان في جعبتنا المزيد من الندوات عن الفائزين بجائزة العويس الثقافية، وعن مبدعين متنورين نجد أنفسنا بحاجة إليهم كلما ضاقت أنشوطة الظلام على مجتمعاتنا العربية، حاجة نابعة من تعميم وتوسيع قاعدة الثقافة لنُسيّج حضورنا في الحياة بسياج من المعرفة التي يقدمها المبدع لوطنه وأمته.”
واختتم الجاسم كلمته:
“نحن اليوم إذ نحتفي بالراحل محمود درويش إنما نحتفي بجيل واسع من شعراء العربية الذين تركوا بصمة لا تنسي طيلة سنوات، فقد خرج محمود درويش من عباءة الوطن ليدخل في عباءة الإنسان مخلداً القصيدة العربية في سجل الخلود.. قصيدة جديدة للبشرية.. تُقرأ بلغة اليوم كما تقرأ بلغة الغد لأنها ستعيش طويلاً في أفئدتنا.”
ثم بدأت جلسات الملتقى حيث شارك في الجلسة الأولى كل من د. شربل داغر بورقة عمل (محمود درويش: “سياسات” القصيدة بين الجرأة المحسوبة والحيطة المحافِظة) و د. حورية الخمليشي بورقة عنوانها (حوار الشعر والفن في شعر محمود درويش) وأدار الجلسة الشاعر إبراهيم الهاشمي.
فقد أشار داغر إلى أن القارئ عندما يقع على لفظ “سياسات” في عنوان هذا البحث، قد ينصرف مباشرة إلى تعيين علاقة محمود درويش المعروفة بالسياسة والسياسات، بينما يرمي، من وراء اللفظ، الى امتحان معنى، بل دلالة أخرى، للسياسة، وهي أنها: طلبُ السلطة بالقصيدة، وتأكيد المكانة فيها وبها، والدفاع عن هذه السلطة، وتجديد أدواتها. وهو ما يفترض من الشاعر حسابات ورهانات، بين “إقدام” و”حيطة”، وبين “ثورية” و”محافظة” وغيرها. وعمَّ تنبئ هذه “السياسات” من استهدافات مرجوة، لشاعرها كما لمن يطلب التوجه إليهم، والتأثير عليهم؟
بينما تساءلت الخمليشي عن الأسباب التي جعلت العديد من الفنانين يستوحون أعمالهم الفنية من شعر محمود درويش. وبالتالي إذا كان الشعر في قلب الفنون جميعاً، فما علاقة الشعر بالفن؟ وما الذي جعل محمود درويش يبقى من الأصوات الإنسانية الكبيرة ذات الأفق الكوني والأكثر عبوراً للمسافات الجغرافية؟ وكيف يمكن رصد الظاهرة الجمالية في قصائده والكشف عن الشعرية الفنّية والفلسفية في نصوصه الشعرية؟ وإلى أي حد استطاع المتلقّي مسايرة جمالية قصائده، لأن الكثير من أسرار القصيدة يحيا في أعماق الشعراء.
وفي الجلسة الثانية قدم د. أحمد بن صالح الطامي بحثاً بعنوان (محمود درويش ناقدا: شعرية الإيقاع) وقدم د. محمود جرن ورقة بعنوان (الإيطالية في جدارية محمود درويش) وأدارت الجلسة الكاتبة سوسن الأبطح.
فقد ركز بحث الطامي على مفهوم الإيقاع، والوزن، وشعريته عند درويش. ثم تناول موقفه من جدلية الشعر والنثر، ورأيه في قصيدة النثر، والمعارك التي خاضها من أجل الدفاع عن موقفه، ثم ما حصل لموقفه من مراجعة حذرة على المستويين النظري والإبداعي.
في حين انقسمت مساهمة جرن إلى جزأين تناول الجزء الأول مسألة تلقّي الجمهور الإيطالي لأعمال الشاعر الفلسطيني محمود درويش منذ ستينات القرن الماضي من خلال الترجمات المنشورة لقصائده ضمن الكتب المحتوية على مختارات من الشعر الفلسطيني خاصّة والشعر العربي بشكل عام، والمجموعات الشعرية المكرّسة بالكامل لدرويش. أمّا الجزء الثاني فتناول الترجمة الإيطالية لقصيدة الجدارية وطرح “حواراً” بينها وبين قصائد أخرى لأهم شعراء إيطاليا في القرن العشرين.
وقد أثارت الأوراق في الجلستين الكثير من الحوار وطرحت جملة من الأسئلة أثرت الملتقى الذي يعد الأوسع من نوعه عن الشاعر الراحل محمود درويش.
وفي ختام اليوم الأول للملتقى وقع الدكتور شربل داغر كتابه (محمود درويش يتذكر في أوراقي) الصادر حديثاً عن مؤسسة سلطان بن علي العويس الثقافية، وكذلك وقع الدكتور محمد شاهين كتابه مختارات من شعر محمود درويش ضمن سلسلة (الفائزون).