خلال الأسبوع الماضي، كتبت تغريدة على حسابي في “تويتر”، جاء فيها:
– الكاتب العربي يؤلف كتاباً في حوالي السنة.
– عقد الناشر العربي، يعطي الكاتب نسبة لا تزيد على (12%) من سعر بيع الكتاب.
– عدد النسخ في الطبعة الواحدة لا يتجاوز الـ 1000.
– سعر بيع النسخة الواحدة بمتوسط خمسة دولارات.
– بافتراض جد متفائل، وغير واقعي، ببيع الناشر جميع النسخ، فإنه سيحصل على مبلغ إجمالي مقداره 5000 دولار.
– وبافتراض جد متفائل، وغير واقعي، بأن الناشر سيعطي الكاتب العربي كل حقوقه، بمبلغ إجمالي قدره 600 دولار.
– وعليه يكون الراتب الشهري للكاتب العربي مبلغا قدره 50 دولارا، ويكون دخله اليومي بحدود 1.67 دولار.
بعد هذه التغريدة تواصل معي مباشرة الكاتب الإماراتي الصديق سلطان العميمي، مبدياً بعض تحفظه حيال ما جاء فيها، وأنه ليس هناك استبيان موثق لمثل هذه التغريدة. وقبل أن أرد عليه، كتبت الصديقة الروائية اللبنانية نجوى بركات ان النسبة لا تصل أبداً إلى 12%، وعلّق الصديق الروائي المصري إبراهيم عبدالمجيد بقوله: “دى المبلغ أقل من كده بكتير”، وعلق الصديق الكاتب عزت القمحاوي: “والله صحيح، بس عمري ما حسبتها”، وما لبث أن كتب أصدقاء كثر آخرون، بأنني جد متفائل فيما كتبت، وأنني أغفلت شريحة كبيرة من الكتّاب الشباب العرب، الذين يدفعون مقابل قيام الناشر بطباعة ونشر كتبهم، وأنا شخصياً شهدت حالات كثيرة وكثيرة جداً لكتّاب شباب، وعلى امتداد الوطن العربي، يشكون مر الشكوى من عدم مقدرتهم على طباعة كتبهم. كما أنني أعلم أن ناشراً في الكويت أخذ مبلغ 750 ديناراً، ما يعادل 2500 دولار، من كاتب/كاتبة مقابل نشر كتابه.
نعم، هذه حالة الكاتب في الوطن العربي، هو يلزم نفسه، بما لا يُلزم، بأن يدرس وأن يبحث وأن يراكم، بالإضافة لموهبته، المادة الأدبية الثقافية، وأن يتجدد عبر مغامرة الكتابة، وأن يعمل بجد واجتهاد لقرابة السنة كي يطبع وينشر كتاباً، ومن ثم عليه أن يستعين بكل علاقاته ومعارفه كي يساعدوه في الإعلان عن نزول الكتاب للسوق، وتالياً يستجدي بألم كلمة عابرة، لوجه الله، تُقال في كتابه، من أي ناقد أو قارئ. وقد يُستثنى من هذا الوضع/المأزق مجاميع شبابية منتشرة على شبكات التواصل الاجتماعي، وتعمل بقاعدة “شيلني وشيّلك”، أو بقاعدة “باب تشميت العاطس إذا حمد الله”، أو باب “المصلحة الخاصة” وبكل أنواعها.
إن سؤالاً مُعضِلاً يفرض نفسه في هذا المقام: إذا كان هذا هو وضع الكاتب العربي، فما الذي يجرّ الآلاف من الكتّاب الشباب العرب، للركض وراء النشر؟ وما الذي يجبر كتّاباً عرباً كثيرين خبروا هذا البؤس على مواصلة السير في درب الكتابة والنشر؟ وللإجابة عن هذا السؤال، ومن واقع خبرة شخصية امتدت لما يزيد على الأربعين عاماً، وشملت كتابة في القصة القصيرة والرواية والدراسة والمقال الصحافي، وعلى طول وعرض الوطن العربي، من بيروت إلى القاهرة إلى دمشق إلى الكويت، إلى الإمارات، إلى ترجمات أجنبية شملت: الفرنسية/باريس، الإنكليزية/لندن، الإسبانية/مدريد، التركية/إسطنبول، والصينية، والألمانية، والهندية… أقول: إن هناك كتّابا عربا جاءوا إلى الكتابة من باب الالتزام العقائدي الحزبي، وإن الكاتب منذور لتوعية الجماهير، وإن هذا الدور مقدس ولا يعدله دورٌ في الحياة. وأرى أن هؤلاء الكتاب مازالوا يكتبون اليوم، بالرغم من فشل وسقوط الأحزاب العربية القومية واليسارية والشيوعية والبعثية، يكتبون بقوة الدفع الذاتي. أو من باب أنهم أمضوا عمراً في ممارسة القراءة والكتابة كشأن حياتي يومي، وبالتالي هم لا يعرفون ممارسة أي عملٍ آخر، والإنسان عبدٌ لما اعتاد عليه!
يتبع
الجريدة