العمود الثامن – بقلم ناصر الظاهري
مثلما هناك في هذه الحياة حرّاس للأشياء الجميلة، هناك نقيضهم ممن رؤوسهم من حجر، ويغوون تدمير الأشياء الجميلة، لا تعرف هل هم أعداؤها أم محبون حد الخراب، بغية امتطاء ظهر الشهرة وحب الظهور، وإثبات الذات المخربة تجاه أشياء جميلة في هذه الحياة؟
مثل هذه الأشياء الجميلة قد لا تخربها الحروب، وقد لا يحطمها أعداء الوطن، لكن يمكن أن يظهر واحد من الوطن، ويعتدي على أيقونة أو رمز تاريخي أو مَعْلَم حضاري، دونما أي سبب، تاركاً التفسير للناس وخيالهم الذي يقودهم إلى نقطة سوداء ووحيدة هي مرض الجهل الذي يستوطن القلوب والعقول.
تمثال «أبو جعفر المنصور» تحفة فنية لشخصية تاريخية، وأحد معالم مدينة بغداد، يأتي إليه أناس بعد دهور من مدينته التي بناها وشيد عصرها الذهبي ليحطموا رأسه كجزء من انتقام تاريخي لأمر ألجأته إليه دهاليز السياسة، وحدّته إليه ضرورات بناء نظام دولته الجديدة. تمثال «المتنبئ» هذا الذي هو شاغل الدنيا والناس، بذلك العرش اللغوي الذي على ماء بحرها، يأتي إليه شخص قد لا يحفظ له بيتاً، ويتطاول على هامة شاعر العربية ومنشد دهرها، فلا تدري هل هو من نسل «كافور الأخشيدي»، أو من أهل «فاتك الأسدي» وابن أخته «ضَبّة العتبي» أم كاره للأشياء الجميلة في حياتنا.
فيلسوف المعرة، شاعر الفلاسفة، وفيلسوف الشعراء، «أبو العلاء المعري»، صاحب «هذا ما جناه عليّ أبي، وما جنيت على أحد»، جنت عليه أيادي الغدر وظلام الجهل، اعتدوا على شيخ ضرير، مسالم، كانت غايته في الحياة محاربة مستوطنات الجهل أينما كانت، وكيفما كانت في عصره، ولم يكن يدري أن أذرع تلك الأيادي ستمتد في زمن الخراب والرماد لتطيح بعمامته الوقورة، بعدما عاش مقاوماً ببث شعاع المعرفة وروح الطمأنينة والحراك الساكن بغضبه وتنويره.
لا يمكن أن تجد سبباً واحداً لذلك الجزائري الغاضب على الدوام من أشياء كثيرة في الحياة، ويبات يسن فأسه ليحطم تمثال تلك المرأة القادمة من أساطير المكان، وحكايات الناس، يتسلل لها فجراً، وهي تستحم بندى الفجر وقطراته الباردة مثل عطر ورد على جسدها المرمري، فيلوث ذلك المكان بنجاسة قدمه، ونصل فأسه القاسية.
هناك اعتداءات بشرية من ذوي العقول الحجرية على تماثيل من فن ونحت وخامات مرمرية، وقيم تاريخية، اعتداءات على أشياء الناس الجميلة من أناس لا تدري من نصبّهم على ذائقة الناس وما يعشقون وما يفرحون، وليس الاعتداء الأخير على أيقونة الفن العالمي، وذاكرة «دافنشي» العبقري، فرح باريس ومتحفها الدائم «الموناليزا» من شخص لطخ زجاجها فقط، ذاك الزجاج الذي لو رجّته مدافع ما تساقط كاشفاً عن ستر وجهها القديم والجميل! ومهما كان السبب النبيل وراء فعلة ذلك الشاب الذي تنكر في زي عجوز مقعدة لينبه العالم إلى تلوث كوكب الأرض بأفعال من أيدينا، وأن تلوث زجاج لوحة «الموناليزا» الذي رجّ العالم، ينبغي أن يوجه لتلوث عالمنا، وبيئتنا التي نحيا فيها، ويجب أن نسلمها للأجيال المقبلة نظيفة وصالحة للبقاء الإنساني، إلا أنه يظل واحداً من أعداء الأشياء الجميلة في حياتنا.
العمود الثامن – بقلم ناصر الظاهري
جريدة الخليج