حققت الإمارات تميزاً وريادة في مجالات التنمية المختلفة، وسجلت تقدماً كبيراً في المؤشرات العالمية، وسبقت غيرها من الأمم المتقدمة، في العديد من مجالات التنمية المجتمعية.
وعلى الرغم من هذا التقدم، إلا أن المشهد الثقافي ظل إلى فترة قليلة مضت، أقل مواكبة للمشهد الاقتصادي الذي كانت تشهده الدولة.
فعلى الرغم من أن الإمارات كانت تسجل تقدماً تلو الآخر، في مجالات الاقتصاد والإدارة الحكومية، وغيرها من المجالات، إلا أن جل الاهتمام كان موجهاً في المرحلة الأولى نحو المشاريع الاقتصادية، بحكم أن القاطرة الاقتصادية، هي دائماً في المقدمة.
ولكن بما أن التقدم والتنمية هي مفردات مترابطة ومعتمدة بعضها على بعض، كان لا بد من الاهتمام بالثقافة، خاصة أن الدولة مقبلة على مرحلة تحتل فيها الثقافة حيزاً كبيراً، بوصفها مكوناً مهماً من مكونات الجذب السياحي.
وهكذا بدأت طفرة ثقافية غير محدودة، طالت كل جوانب الحياة الثقافية والفكرية. فإلى جانب الفورة الثقافية في عمل المؤسسات والمراكز الثقافية التقليدية، والتي لا يخفى على أحد دورها في نشر الفكر والوعي، والارتقاء بالذائقة الفنية في المجتمع، إلا أن الطفرة طالت أيضاً جوانب الثقافة المتنوعة الأخرى. فأصبحت الإمارات خلال فترة بسيطة، مركزاً عالمياً للموسيقي والفنون والمهرجانات، والجوائز العالمية التي تكرم المبدعين من كافة أصقاع الأرض، على إبداعهم للإنسانية جمعاء.
كما أصبحت الإمارات موئلاً عالمياً للمبدعين في كافة جوانب الثقافة، من فن، وموسيقي، وتصميم، وإبداع. إذ استطاعت أن تخلق بيئة جاذبة، وأن تشجع وتدعم المبدعين، وتثمن عالياً إبداعهم في مجالات الثقافة والفنون، بكافة أشكالها، البصرية والسمعية. فقد قادها شغفها بالتميز والتفرد، إلى خلق بيئة مثالية للإبداع الثقافي والفكري، لا مثيل لها في المنطقة. فنتج عن ذلك مشاريع ثقافية غاية في التفرّد والإبداع، وروعة التصميم، كمتحف اللوفر.
كما حولت البيوتات التاريخية القديمة، إلى متاحف تواكب العصر روعة وتصميماً وعمراناً، نراها بوضوح في منطقة الشندغة. ولم يقتصر الأمر على الاهتمام بالماضي، بل تم إنشاء متاحف جديدة، كمتحف المستقبل، إيماناً من الدولة بأن حلقات الزمن مترابطة، وبأن الماضي مرتبط بالحاضر، وهو الذي يرسم طريقنا نحو المستقبل. آمنت الإمارات بأن الاهتمام بالاقتصاد، يقود فعلاً إلى طفرة مادية، ولكنها أيقنت أيضاً أن الاهتمام بالثقافة ومكوناتها، يقود إلى طفرة توعوية لا غنى عنها للحياة المعاصرة ومتطلباتها. وقادها هذا اليقين، إلى إبداء المزيد من الاهتمام بكافة مفردات الثقافة، وعلى مختلف أطيافها.
فمن يتابع الحياة الثقافية في الإمارات السبع، يلاحظ ذلك الزخم والتنوع في الأنشطة الثقافية، وذلك التسابق بين المؤسسات الثقافية، على احتضان الأنشطة الثقافية، والإنفاق عليها بسخاء. وقد استطاعت تلك المؤسسات على المدى الطويل، خلق جمهور عريض متنوع. كما استطاعت، عبر برامجها الثقافية والفنية، الارتقاء بالذائقة الفنية بين الناس، واستطاعت عبر مختلف الوسائط، التواصل مع كافة شرائح المجتمع، وإيصال الرسالة الثقافية لهم.
وعلى الرغم من تراجع مكانة الكلمة المقروءة عالمياً، نتيجة مزاحمة وسائل التواصل الاجتماعي والتكنولوجيا الحديثة، إلا أن مكانة الكتاب حافظت على وهجها في الإمارات. فمعارض الكتاب والجوائز المخصصة للاحتفاء بالكتاب محلياً وعالمياً، أثبتت أن الإمارات قد حافظت على ريادتها الثقافية في مجال الكلمة المقروءة، على الرغم من مزاحمة وسائل التواصل الاجتماعي بأنواعها.
شهدت الإمارات تطويراً متواصلاً للمؤسسات المعنية بالثقافة، تدشيناً لمرحلة جديدة من مراحل تطور الثقافة. ففي دبي، اعتمد صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، رؤية دبي الثقافية الجديدة، إيذاناً بتدشين حراك ثقافي، هو الأشمل والأكثر تنوعاً على مستوى دبي، وحاضنة الإبداع، وملتقى للمواهب، ومنارة للأدباء والكتاب والمفكرين والفنانين من مختلف أنحاء العالم.
ودعمت دبي هذا الحراك، ببيئة تشريعية وقانونية، بحيث تهيئ للمبدعين البيئة المثالية للعمل أو الإبداع، دون الخشية من أي عائق. فما تهدف له الإمارات، هو حراك ثقافي يواكب الحراك الاقتصادي، بحيث يرفد كل منهما الآخر ويدعمه.
ولهذا، فإن هناك اهتماماً بالصناعات الإبداعية في مجال الفنون والموسيقي والسينما والكتاب، يوازي الاهتمام بالحراك الاقتصادي ويرفده. فالهدف هنا، هو إحداث تنمية ثقافية مستدامة، بحيث ينتج عنها، ليس فقط وعياً مجتمعياً، بل فرص عمل ومردوداً مادياً للأجيال القادمة. إن ما يحدث في الإمارات من فورة ثقافية، تصب ليس فقط في مصلحة دولة الإمارات، بل وفي صالح الثقافة العالمية جمعاء.
جريدة البيان