- هل هي غزوة الأندلس الثانية؟ إذا كانت كذلك، فأين طارق بن زياد؟ لن يظهر طارق بن زياد آخر، فمصير طارق بن زياد الأول لا يدفع إلى المغامرة ثانية، حتى ولو بعد 13 قرناً، ألم تنته الحياة بهذا القائد، الذي قلب معادلة التاريخ وخرائط الجغرافيا، مشرّداً في شوارع دمشق، من دون مأوى أو مأكل؟
هل هي غزوة الأندلس الثانية؟ ألا يخجل العرب والمسلمون من أن أكبر قائد يذكره التاريخ كلما جاء الحديث عن علاقة الغرب بالشرق، وأعني به (طارق بن زياد)، لا يُعرف له قبرٌ ولا حتى تاريخ وفاة بالتدقيق؟ بل إن كتب التاريخ تناسته، وشطبت اسمه من كثيرٍ من الفصول.
هل هي غزوة الأندلس الثانية؟ وهل هناك طارق جديد قد يكون قرأ التاريخ والجغرافيا وحكايات المشرّدين والشطار والمجانين، فيصحح التاريخ ويكون الإنزال بشكلٍ آخر؟ إنزال آخر بروح أخرى؟
من شواطئ عين تموشنت إلى الأندلس:
في إنزال بشريّ استثنائيّ ومثير على شواطئ إسبانيا بعدد يصل نصف 1000 من البشر، انطلقت القوارب الأسبوع الماضي من الشواطئ الغربية في الجزائر، هي الدفعة الأولى فقط، والعدد ليس نهائياً، فالبقية الباقية على الماء تسبح، أو على رمل الشاطئ تنتظر الإشارة إلى الإبحار.
إنزالٌ بشريّ هائل ومهول، يحدث على المباشر، من دون طلقة نار واحدة، ولا ضربة سيف كما الأجداد فعلوا، إنزالٌ أثار الإسبان وحرّك ذاكرة مجروحة من الوجود الإسلامي البربري والعربي على شبه الجزيرة الإيبيرية، الذي دام ثمانية قرون. إنزالٌ مهولٌ حرّك معه ظاهرة الخوف والعنصرية.
وإذا كان طارق بن زياد، كما جاء في الخطبة المنسوبة إليه، المكذوبة عليه، والمكتوبة بعربية فصيحة فصاحة بدو الجزيرة العربية، وهو الأمازيغي الذي لم يكن يعرف ثلاث كلمات بالعربية، إذا كان قد قال أو قُوِّل “أيها الناس، أين المفر؟ البحر من ورائكم، والعدو أمامكم …”، ماذا سيقول طارق بن زياد الجديد في إنزال أسطول القوارب للعام 2020، هذه المرة سيقول بألم:
أيها الناس، الضياع وراءكم والضياع أمامكم، فليس لكم من حلّ سوى تبديل ضياع بضياع. وأهون الضياعين ضياع بين الغرباء، فالضياع بين الأحبة قهرٌ وموتٌ بالتقسيط، أرحم الضياعين ضياع بين غرباء لا يعرفونك، وأقسى الضياع ضياع بين جيران وأقارب وأبناء وأحفاد، لذا هذا الضياع المرّ بين الغريب لكم هي حلوة مرارته.
أيها الناس، الظلم وراءكم والظلم أمامكم، لكن ظلم ذوي القربى أشد مضاضة، لذا فاستحلاء ظلم الآخر أكثر خفة من ظلم الأقارب. لذا خرجنا من ظلم مظلم إلى ظلم رحيم.
أيها الناس، يا قوم، يا أحفاد طارق بن زياد الذي انتهى مشرّداً بأزقة دمشق. بطل بحجم العالم لا يُعرف قبره، ولا حتى تاريخ موته، ها أنتم تهاجرون من بلاد الإسلام هرباً وكرهاً، وتدخلون بلاد الكفر أملاً واستبشاراً.
أيها الناس، هو التاريخ بالمقلوب. ألم نقل طويلاً كلاماً طويلاً وعريضاً عن “ظلم كفار” الغرب، وها نحن نرحل إليهم، أملاً في خبزة وسلامة وكرامة وسترة البنين والبنات والشيخ والفتى.
أيها الناس، يا قوم العرب والبربر وما جاورهما من ذوي السلطان الأباخس، ألم نسمع طويلاً، في الشتاء والصيف، خطب أئمتنا في المساجد خمس مرات في اليوم، وخطب الجمعات الطويلة الغاضبة، وخطب الأعياد الدينية، وخطب صلاة التراويح في رمضان التي لم نخطئها يوماً، وحتى خطب الدفن في المقابر. أَلَم نسمع منكم أيها السادة الأئمة الأفاضل والخطباء الفصحاء بأن هذه البلاد التي نهجرها اليوم ونركب الصعاب هي بلاد الأمان، وبلاد لا ينساها الله برحمته ما دام ذكرها يُذكر في أزيد من 50 ألف مسجد وأكثر؟
أيها السادة الأئمة الأفاضل والخطباء الفصحاء، خطبكم لم تستطع أن تحمينا، وكلامكم لم يطعم جائعاً، ولم يحرر عبداً، ولم يخفف عن مقنوط، لذا أيها السادة الأئمة والخطباء تركنا بلاد الإسلام، (إسلامكم)، لكم وذهبنا كي نموت في بلاد الكفار، فالموت ولو بقسوة في بلاد لطالما صورتموها لنا جهنماً هي أخفّ علينا من الموت قهراً في بلاد لمّا صورتموها لنا جنة.
الجنة لا يموت الناس فيها ولا يقنطون، وإذا ما ماتوا أو قنطوا فتلك الطامة الكبرى، أمّا الجحيم فهو شقيق العذاب، لذا فالموت فيه رحمة، لذا هدرنا الجنة التي ليست جنة إلا في رؤوسكم ولغتكم.
أيتها النازلات من مهاجرات القوارب من النساء، ألم يشبعوكنّ كلاماً بأن المرأة في بلاد الإسلام والوطنية تاجٌ على الجبين، وها هي تترك لهم “التاج” الكاذب، لترحل بحثاً عن “تاج” ولو من ورق البصل، لكنه حقيقة. ألم تقولوا لهنّ في الخطب وكتبتموها في الكتب بأن المرأة مصانة في بلادكم، باسم الدين وباسم الوطنية، فلا من أطعمنهنّ خبزاً وستر خيبتهنّ التي طالت أزيد من نصف قرن، وقد بدأت حياتهنّ تميل نحو خريف العمر.
ألم تقولوا كثيراً عن فضيلة حياة الشباب في بلاد الوطنية والإسلام، فأين هي هذه الحياة الفاضلة أيها السادة؟ ربما هي لكم أنتم من ملأتم رؤوسنا بأمراض الانتظار، وظهورنا إلى الحيطان الباردة، وسجائر الحلال والحرام تمر ليل نهار بين شفاهنا تحرق صحتنا وأحلامنا وتحرقنا بالكامل، وتدفع بنا إلى الانتحار.