مَن بوسعه اليوم الخروج من سطوة وسائل التواصل الاجتماعي؟ على الأقل من بعضها وأكثرها استخداماً مثل تطبيق «واتس آب»؟ حتى الشرائح المحدودة ممن لا يزالون بمنأى عن هذه الدائرة إلى تناقص مستمر، وليس بعيداً اليوم الذي سيكون فيه كل البشر، ومن دون استثناء، «أسرى» لهذه الوسائل.
هل تنطوي مفردة «أسرى» في حالنا هذا على شيء من التعسف؟ ربما. إذا ما أخذنا بعين الاعتبار ما يسّرته هذه الوسائل من تواصل بين البشر، دعك من وصفه بالافتراضي، فالأمور نسبية، ألم يكن في الاتصال الهاتفي عندما لم يكن العالم يعرف غير الهواتف الأرضية، وقبلها البرقيات وسواها شيء من «الافتراضية» أيضاً؟ أي أننا كنا نسمع صوت من نهاتفه دون أن نراه، أو نقرأ برقيته وبيننا وبينه بحار ومحيطات وما إليها؟
قبل يومين انتهت المدة التي أعلنها تطبيق «واتس آب» لمستخدميه بضرورة قبول التحديثات التي أدخلتها الشركة المعنية عليه، وعلى من لم يفعل ذلك أن يستعد لتقييد تدريجي لوظائف التطبيق وخدماته بما في ذلك الرسائل والمكالمات؛ حيث حددت الشركة الخامس عشر من مايو/أيار الجاري موعداً لذلك، مع تنويه إضافي بأن توقيت هذا التقييد قد يختلف من مستخدم لآخر، لكنه آتٍ لا ريب فيه، ولن ينجو منه أحد من المستخدمين بعد حين.
منذ الإعلان عن هذه التحديثات قبل أشهر ثار جدل حول ما قد يسفر عنها من مزيد من تدخل الشركة المعنية في خصوصيات المستخدمين، ومعرفة المزيد من بياناتهم، وهدد كثيرون من هؤلاء المستخدمين بمغادرة التطبيق واللجوء إلى بدائل تبدو شروطها أقل، ما حمل «واتس آب» نفسه على تأجيل فرض قبول تلك التحديثات. تأجيلها فقط لا إلغاؤها، فالأمر لم يعدو كونه مناورة في كسب الوقت.
حاولت الشركة تبديد المخاوف المثارة، والتي تتمحور في أن «التحسينات» التي طبقت بالفعل ستسمح للشركة الأم «فيسبوك» بقراءة رسائلهم، قائلة إن ذلك غير صحيح وإنها لن تسمح به. والقول هنا لا يعني الفعل بالضرورة، لكن من بوسعه إثبات أو نفي ذلك، في عالم «عنكبوتي» بالفعل، كلنا أصبحنا تحت سطوته، والخيارات أمام المستخدمين محدودة: إما أن نقبل ما يطلب منا أو نحرم من الخدمة التي يقدمها لنا.
«فضاء» الحرية الذي أتاحته هذه الوسائل ليس وهماً، لكنه أيضاً ليس حقيقة. إنها ككل حرية يتيحها عالم اليوم مقيّدة، وفي الشكاوى من حجب حسابات على بعض هذه الوسائط على خلفية ما يجري في فلسطين حالياً بعض الدليل.