أين القارئ العربي؟ – بقلم إنعام كجه جي

إنعام_كجه_كي

على امتداد كيلومتر، وقف الأطفال مع آبائهم في انتظار الوصول إلى الطاولة التي يجلس عليها كاتبهم المفضل. كانوا يحتضنون كتبه وينتظرون الحصول على توقيعه، أو تبادل كلمات لطيفة معه. حدث ذلك في مهرجان طيران الإمارات للآداب، الأسبوع الماضي. والكاتب السعيد هو البريطاني ديفيد ويليامز. وعلى مقربة من الحشد الجميل، وقف روائيون عرب يتفرجون ويغبطون.
تلقى القصص المرسومة رواجاً في أنحاء العالم. منها ما هو للصغار، ومنها ما هو للكبار. وقد بيع منها في فرنسا، العام الماضي، أكثر من 84 مليون نسخة. وبلغت الحصيلة 921 مليون يورو. وفي الشهر الماضي، احتفلت مدينة «أنغوليم» بمرور 50 عاماً على أول مهرجان دولي تستضيفه لكتب القصص المصورة. إن ربع مبيعات الكتب في فرنسا هي من هذا النوع.
في مهرجان الإمارات، جمعتني ندوة مع الروائي الجزائري ياسمينة خضرا. كان عدد المدعوين 270 أديباً من الشرق والغرب. وكانت هناك 300 فعالية موزعة على أماكن عديدة. لذلك فقد كانت القاعة صغيرة نسبياً، لا يزيد عدد مقاعدها على 50. وهو أمر لم يلقَ استحسانَ الكاتب الجزائري، وقال إنه لا يتحدث في ندوة يقل عدد الحضور فيها عن 500.
من المعروف أن اسمه الأصلي محمد مولسهول. كان عسكرياً في الجيش الجزائري واختار اسماً مستعاراً من زوجته تفادياً للمحاذير. وهو يكتب بالفرنسية روايات مشوقة تترجم إلى أكثر من 30 لغة وتلقى رواجاً كبيراً. لكنه لا يكتفي بالنجاح والمال، بل يشعر بالمرارة لأنه غير معروف بين أبناء أمته.
هل من حقه أن يغضب على العرب حين يكتب بلغة أجنبية؟ قال إنه الكاتب الفرنسي الأكثر ترجمة في العالم. بيعت من رواياته ملايين النسخ. وإن الناس يستقبلونه استقبال الأبطال في المكسيك وكوبا. أما حين يُدعى إلى مناسبة أدبية في بلد عربي فإن الاهتمام به ضئيل. وهناك في وطنه الجزائر من يعدّه خائناً. باتت المرارة ملازمة له. يفتتح مداخلاته ومقابلاته بالملامة ويندب غياب القراء العرب.
لا أحد يستطيع تحديد رقم دقيق لمستويات القراءة الأدبية في بلادنا. لكن الكل يلاحظ تزايد دور النشر ومعارض الكتب وتحولها إلى مناسبات وطنية وملتقيات كبرى. وهناك مئات الروايات العربية والمترجمة التي تخرج من المطابع كل عام. وعدد أقل من المجموعات الشعرية والمسرحيات وكتب السيرة. ذلك أن الرواج يختلف حسب المواسم، مثل الموضة. وقد كانت الصدارة للمطبوعات الدينية وأدلّة الطبخ وكتب الأطفال. ثم دخل النشر الرقمي على الخط وباتت هناك مكتبات على الشاشة أو روايات مسموعة. فمن هو القارئ، هذا المجهول الذي تسعى المكتبات لاقتناصه؟
يطيب لبعضهم التندر بأن معارض الكتاب تبيع الأطعمة أكثر من الكتب. تقصدها العائلات للتنزه وشمّ الهواء. يقول هؤلاء إن عدد الكتّاب أكبر من عدد القراء. ينسون أن الكاتب قارئ أيضاً. وأنه لا يحصل على مستحقاته. وأنه يضطر أحياناً لشراء نسخ من كتبه. وهو لا يعرف من قرائه سوى أصدقائه المحيطين به. وحتى هؤلاء، فإنهم يحصلون على الكتاب هدية منه.
ليت زميلنا الجزائري يدرك هذا الواقع. أو يطّلع على إحصائيات «اليونسكو» عن معدلات الأمية في الوطن العربي. أو البطالة. كيف لطالب جامعي أو موظف صغير أن يقتني كتاباً يرتبط سعره بسعر صرف الدولار؟ يكفيك يا ياسمينة خضرا أنَّ لك في هافانا البعيدة معجبين و… معجبات.

أين القارئ العربي؟ – بقلم إنعام كجه جي

جريدة الشرق الأوسط