الفنان الإسباني بابلو بيكاسو هو من قال مرة: «شخصيتك تتحدد عبر ما تحتفظ به من أشياء». عبارة بليغة تحفز كل واحد منا على أن يفكر فيها ملياً وهو يلقي نظرة، أو يستعيد تذكر، ما يحتفظ به في بيته أو مكتبه من أشياء، لا يقوى على التفريط فيها، رغم أنه قد لا تكون لها حاجة ملحة، راهنة، بالنسبة إليه، فوجودها معه أو بجانبه يبعث شيئاً من الطمأنينة في نفسه، ربما لأنها تحمل ذكرى في نفسه لا يرغب في التفريط بها، أو أنه مسكون بشعور أنه قد يأتي اليوم الذي سيحتاج فيه إلى بعض هذه الأشياء في أمرٍ ما يخطط له أو يتوقعه.
وإذا كان هذا الأمر ينطبق على جميع الناس دون استثناء، فإنه في حال الأدباء والفنانين يأخذ أبعاداً ذات مغزى في العلاقة مع إبداعهم. في إحدى شهاداتها عن تجربتها مع الكتابة حكت الكاتبة التشيلية إيزابيل الليندي أنها، بالإضافة إلى احتفاظها بدفتر في حقيبتها تقوم بتدوين كل ما تقرأه أو تسمعه من أفكار أو معلومات تثير اهتمامها فيه، فإنها تلجأ أيضاً إلى الاحتفاظ ببعض قصاصات الجرائد التي تخمن أن ما هو منشور عليها قد يفيدها يوماً، وحين تشرع في كتابة كتاب ما، فإنها تحضر كذلك، لأنه، على ما تقول، يلهمها.
ليست الليندي هي الوحيدة من بين الكتاب من يفعل ذلك. نحسب أن كل من له علاقة جدية بالكتابة يفعل مثلها. خبر ما نقرأه في جريدة، أو واقعة غريبة أو طريفة، محزنة أو مفرحة يمكن أن تكون باعثاً على فكرة للكتابة، أو يمكن توظيفها في سياق أشمل، والأمر يتوقف، في النهاية، على مهارة الكاتب في هذا التوظيف، وفي طريقة بنائه للسياق الذي ترد فيه المعلومة أو الخبر.
تناول تقرير مطول كتبه دايزي دون ولع بيكاسو بالذات بتخزين كل شيء، بدءاً من الصحف القديمة وبقايا الأوراق المُستخدمة في التغليف، مروراً بالمُغلفات المستعملة وعبوات التبغ وبطاقات ركوب الحافلات، وصولاً إلى المناديل الورقية، لأنه كان يدرك أن كل شيء قد يكون مهماً بالنسبة لفنانٍ مثله، حتى وإن كان مجرد أغراض بالية أو تافهة، تخلّص منها الآخرون، لكن الكثير منها استخدمه في لوحاته، وعرضت هذه «المحفوظات» في معرض أقيم في لندن، ضمّ 300 قطعة.
كانت الأوراق التي يحتفظ بها الرجل تتكدس فوق طاولاته، لتصل إلى ارتفاعات كبيرة، فيقوم بجمعها معاً بمشابك كبيرة، ويعلقها «لتتدلى من السقف مثل الثُريات».
جريدة الخليج